لما كانت مرحلة الطفولة من المراحل المهمة والأساسية في بناء شخصيَّة الفرد إيجابًا أو سلبًا، وفقًا لما يُلاقيه من إهتمام، جاء الإسلام ليُقَرِّرَ أن لهؤلاء الأطفال حقوقًا وواجبات، لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، وذلك قبل أن تُوضَع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان!
كما سبق الإسلام غيره من النظم في الإهتمام بهذه الحقوق في مراحل متقدمة للغاية تبدأ من إختيار الأم الصالحة، ثم الاهتمام به في حالة الحمل فأقرّ تحريم إجهاضه وهو جنين، وإجازة الفطر في رمضان للمرأة الحامل، وتأجيل حدِّ الزنا حتى يُولد وينتهي من الرضاع، وإيجاب الدية على قاتله.
وجعل من حقوقه بمجرد ولادته الإستبشار بقدومه، والتأذين في أذنيه، وإستحباب تحنيكه حلق شعر رأسه والتصدق بوزنه، وإختيار الاسم الحسن للمولود، والعقيقة، إتمام الرضاعة، والختان والحضانة والنفقة والتربية الإسلامية الصحيحة.
كما راعى الإسلام جوانب متعددة للتربية منها التربية الإيمانية العبادية، والتربية البدنيَّة، والتربية الأخلاقية، والتربية العقلية، والتربية الإجتماعية.
ومن طرق التربية التي إعتمدها الإسلام التربية بالملاحظة والتربية بالإشارة، والتربية بالموعظة وهدي السلف، والتربية بالعادة، والتربية بالترغيب والترهيب.
كما أن من وسائل التربية الإسلامية كذلك التربية بالقدوة، والتربية بالجليس الصالح، والإفادة من العلم الحديث ومخترعاته، والإفادة من الدوافع الفطرية...
حقوق الطفل قبل الميلاد:
الأطفال في الإسلام هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وهم بهجة النفوس وقُرَّة الأعين، وهم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل.
والطفولة عند الإنسان هي المرحلة الأولى من مراحل عمره، وتبدأ منذ ميلاده وتنتهي ببلوغه سنَّ الرشد، حيث يكمل نمو عقل الإنسان ويقوى جسمه ويكتمل تمييزه، ويُصْبِح مخاطَبًا بالتكاليف الشرعيَّة، يقول الأستاذ سيد قطب: والطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة، تمتدُّ طفولته أكثر من أي طفل آخر للأحياء الأخرى، ذلك أن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيُّؤ وتدريب للدور المطلوب من كل حيٍّ باقية حياته، ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره في الأرض هو أضخم دور، امتدَّت طفولته فترة أطول، ليَحْسُن إعدادُهُ وتدريبُهُ للمستقبل.
وتُعَدُ مرحلة الطفولة اللَّبِنَة الأساسيَّة في بناء شخصيَّة الفرد إيجابًا أو سلبًا، وفقًا لما يُلاقيه من إهتمام، وجاء الإسلام ليُقَرِّرَ أن لهؤلاء الأطفال حقوقًا وواجبات، على إعتبار أنهم شريحة مهمَّة من المجتمع لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، وذلك قبل أن تُوضَع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان!
وعلى هذا فثَمَّة حقوق مهمَّة حفظها الإسلام للطفل، فاقت في شمولها ومراحلها كل الأنظمة والقوانين الوضعيَّة قديمها وحديثها، حيث إهتم الإسلام به في كل مراحل حياته: جنينًا، ورضيعًا، وصبيًّا، ويافعًا، ثم شابًّا، إلى أن يصل إلى مرحلة الرجولة، بل إهتم الإسلام بالطفل قبل أن يكون جنينًا!! وذلك كله بهدف إخراج رجال أسوياء، قادرين على تحدِّي كل المستحدثات الحضاريَّة.
وهذه الحقوق التي كفلها الإسلام متعددة الجوانب، فمنها حقه فبل ولادته، وأثناء فترة الحمل والولادة، ثم بعد وضعه إلى بلوغه.
ولما كان الدور الأكبر في رعاية وتنشئة الطفل تنشئة سليمة يتمثَّل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقيٍّ وزوجة صالحة، وفي ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين فقال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» البخاري عن أبي هريرة.
وفي ذلك لم يَقِف الإسلام في وجه من أراد المرأة الجميلة، أو ذات المال أو الحسب، ولكن بشرط ألا تتعارض مع الأخلاق والدين.
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة بإختيار زوجها على نفس المعيار والأساس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» الترمذي.
وكذلك هنا لم يَقِف الإسلام مانعًا من زواج المرأة للرجل الغني بشرط ألا يكون ذلك على حساب الدين.
ولا ريب في أن هذا الإختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالنفع التامِّ والمصلحة المباشرة على الطفل الذي يكون ثمرة هذين الزوجين الصالحين، لينشأ بعد ذلك في أسرة ودودة متحابَّة، تعيش في ظلِّ تعاليم الإسلام.
ومن حقِّ الطفل أيضًا قبل ولادته ذاك التوجيه النبوي الشريف في الدعاء عند الجماع، والذي يحفظ الجنين من الشيطان، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرُّهُ» البخاري.
وكذلك من حقوق الطفل التي أقرَّها الإسلام قبل ولادته: تحريم إجهاضه وهو جنين، وإجازة الفطر في رمضان للمرأة الحامل، وتأجيل حدِّ الزنا حتى يُولد وينتهي من الرضاع، وإيجاب الدية على قاتله.
حقوق الطفل بعد ميلاده:
فقد وضع الإسلام للطفل أحكامًا تتعلَّق بولادته، كان منها:
1) الاستبشار بالمولود:
إستحباب الإستبشار بالمولود عند ولادته، وذلك على نحو ما جاء في قوله تعالى عن ولادة سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام: {فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39]، وهذه البشارة للذكر والأنثى على السواء من غير تفرقة بينهما.
2) التأذين في أذنيه:
ومنها أيضًا الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى، وفي هذا إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أذَّن النبي صلى الله عليه وسلم في أذن الحسن بن علي رضي الله عنهما عند ولادته، روى ذلك عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاَةِ.
وفي الأذان والإقامة في أُذُن المولود فوائد ذكرها ابن القيِّم فقال: وسرُّ التأذين -والله أعلم- أن يكون أوَّل ما يَقرع سمع الإنسان كلماتُه المتضمِّنة لكبرياء الربِّ وعظمته، والشهادة التي أوَّل ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يُلَقَّن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكَر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يُولد فيقارنه للمحنة التي قدَّرها الله وشاءها، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلُّقه به، وفيه معنى آخر، ألا وهو أن تكون دعوتُه إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقةً على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقةً على تغيير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحِكم.
3) استحباب التحنيك:
ومن حقوق الطفل كذلك عند ولادته إستحباب تحنيكه بتمر، وذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو موسى رضي الله عنه، قال: «وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ».
وفي توضيح ذلك يقول النووي: اتَّفق العلماء على إستحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو، فيَمضغ المحنِّك التمر حتى تصير مائعةً بحيث تُبْتَلَع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه، ليدخل شيء منها جوفه، ويُستحبُّ أن يكون المحنِّك من الصالحين وممن يُتبرَّك به، رجلاً كان أو امرأة، فإن لم يكن حاضرًا عند المولود حُمِلَ إليه.
4) حلق شعر الرأس التصديق بوزنه:
ومن حقوق الطفل بعد ولادته حلق شعر رأسه والتصدُّق بوزنه فضة، وفي ذلك فوائد صحِّيَّة وإجتماعيَّة، فمن الفوائد الصحِّيَّة: تفتيح مسامِّ الرأس، وإماطة الأذى عنه، وقد يكون ذلك إزالةً للشعر الضعيف لينبت مكانه شعر قويٌّ، أما الفائدة الإجتماعية فتعود إلى التصدُّق بوزن هذا الشعر فضة، وفي ذلك معنَى التكافل الإجتماعي ومما يُدْخِل السرور على الفقراء، وفي ذلك فقد روى محمد بن علي بن الحسين أنه قال: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً.
5) إختيار الإسم الحسن:
ومن حقوق الطفل كذلك عند ولادته حقُّه في التسمية الحسنة، فالواجب على الوالدين أن يختارا للطفل اسمًا حسنًا يُنادى به بين الناس، ويُمَيَّز به عن أشقَّائه وأقرانه، وأوجب الإسلام أن يحمل الاسم صفة حسنة أو معنًى محمودًا، يبعث الراحة في النفس والطمأنينة في القلب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ».
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمي أبناء أهله وأقاربه وأصحابه، ويتخيَّر لهم الأسماء الحسنة والجميلة، كما أحب صلى الله عليه وسلم الأسماء التي تحمل معنى العبوديَّة لله، والأسماء التي تحمل معاني الخير والجمال والحبِّ والكمال، فالإسم الذي يحمل أحد هذه المعاني يُوقظ في وجدان صاحبه المعاني السامية والمشاعر النبيلة، ويُشعره بالعزَّة والفخار بإسمه وإحترام ذاته، ويُبْعِدُه عن سخرية الناس وإستهزائهم، وعلى النقيض من ذلك، فالأسماء القبيحة تُثير في نفس صاحبها عدم الرضا عن النفس، وتدفعه للإنطواء على الذات، والإنعزال عن الآخرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالأسماء القبيحة تُثير السخرية والإستهتار من قِبَلِ الآخرين، مما يُوَلِّد في نفس صاحبها مَرَارة، وجرحًا غائرًا، وقد يدفعه ذلك إلى الخجل الشديد، وعدم القدرة على مواجهة الناس ومواقف الحياة، وقد يدفعه أيضًا إلى كراهية الناس والإبتعاد عنهم، لذا فقد حبَّب الإسلام تسمية الأولاد بالأسماء التي تحمل معاني العبودية لله تعالى، أو بأسماء الأنبياء، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ».
ومن أصدق ما جاء في ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إليه رجل يشتكي ابنه ويقول: يا أمير المؤمنين، إن ابني هذا يعقني، فقال عمر للابن: أما تخاف الله في عقوق والدك؟ قال الابن: يا أمير المؤمنين، أَمَا للابن حقٌّ على والده؟ قال عمر: حقُّه عليه أن يستنجب أُمَّه، ويحسن إسمه، ويعلمه كتاب الله، فقال الابن: فوالله ما إستنجب أمي، وما هي إلا أمة مشتراة، ولا أحسن إسمي، بل سماني جعلاً، ولا علَّمني من كتاب الله آية واحدة!! فالتفت عمر إلى الرجل، وقال: تقول ابني يعقني؟ فقد عققته قبل أن يعقَّك!!
6) العقيقة:
وكذلك من حقوق الطفل بعد ولادته العقيقة، ومعناها ذبح الشاة عن المولود يوم السابع من ولادته، وحكمها سنة مؤكَّدة، وهي نوع من الفرح والسرور بهذا المولود، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: «لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ، وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ».
وروى البخاري عن سلمان بن عامر الضبي، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى»، وعن وقتها قيل في اليوم السابع أو الحادي والعشرين.
7) إتمام الرضاعة:
ومن حقوق الطفل كذلك بعد ولادته حقُّه في الرضاعة، والرضاعة عملية لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي والإنفعالي والإجتماعي في حياة الإنسان وليدًا ثم طفلاً، وهو ما أدركته الشريعة الإسلاميَّة، فكان على الأمِّ أن تُرضع طفلها حولين كاملين، وجعل ذلك حقًّا من حقوق الطفل، قال تعالى: {وَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ المعروف} [البقرة: 233].
ولقد أثبتت البحوث الصحيَّة والنفسيَّة في الوقت الحاضر أن فترة عامين ضروريَّة لنمو الطفل نموًّا سليمًا من الوجهتين الصحيَّة والنفسيَّة، بَيْدَ أن نعمة الله وكرمه على الأمَّة الإسلاميَّة لم تنتظر نتائج البحوث والتجارِب التي تُجْرَى في معامل علم النفس وخلافها من قِبَلِ العلماء النفسيِّين والتربويِّين، بل سبقت ذلك كله، ونلاحظ مدى إهتمام الشريعة بالرضاعة وجعلها حقًّا من حقوق الطفل إلا أن ذلك الحق لم يكن مقتصرًا على الأمِّ فقط، إذ إن هناك مسئولية تقع على كاهل الأب، وتتمثل هذه المسئولية في وجوب إمداد الأم بالغذاء والكساء حتى تتفرَّغ لرعاية طفلها وتغذيته، وبذلك فكل منهما يؤدِّي واجبه ضمن الإطار الذي رسمته له الشريعة السمحة، محافظًا على مصلحة الرضيع المسندة إليه رعايته وحمايته، على أن يتمَّ ذلك في حدود طاقتهما وإمكانيتهما، قال تعالى: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}.
8) الختان:
ومن حقوق الطفل أيضًا بعد الولادة الختان، وهذا الأمر ثابت في السنة وإجماع العلماء، وهو وإن كان من سنن الفطرة إلا أن العلماء قالوا بوجوبه، ومن الأحاديث التي ثبت بها الختان ما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاِخْتِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبِطِ».
والحكمة من ذلك أنه تشريع إلهي شرعه الله لعباده ليكمل به فطرتهم، ولأنه بواسطته يمكن التخلُّص من الإفرازات الدهنية، كما أنه يُقَلِّل من إمكان الإصابة بالسرطان، وأيضًا يُجَنِّب الأطفال من الإصابة بسلس البول الليلي، وهو أيضًا: يجلب النظافة، والتزيين، وتحسين الخِلْقَة، وتعديل الشهوة.
9) الحضانة والنفقة:
ومن حقوق الطفل على أبويه كذلك حق في الحضانة والنفقة، فقد أوجبت الشريعة للطفل على الأبوين رعايته والمحافظة على حياته وصحته وتربيته وتثقيفه، وهو ما يُعْرَفُ بمرحلة الحضانة، وقد جعلت الشريعةُ للأمِّ الحقَّ في حضانة طفلها في حالة وقوع الخلافات الزوجيَّة حتى سنِّ السابعة من العمر، التي يكون الطفل قد إجتاز فيها المرحلتين، مرحلة المهد ومرحلة الطفولة المبكِّرة، إذ تُعْتَبَر هاتان المرحلتان من أهمِّ المرحل في حياة الطفل، حيث يُقَرَّر بعدها بقاءه مع أُمِّه أو أبيه، وتُتْرَكُ له حرية الإختيار بينهما، وهذا منتهى العدل والرحمة الإلهية.
وبالإضافة إلى حقِّ الطفل في الحضانة أيضًا له الحقُّ في النفقة، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكن.
وهذا بالإضافة أيضًا إلى رعايته وجدانيًّا، وذلك بالإحسان إليه ورحمته وملاعبته وإدخال السرور عليه، وكذلك رعايته علميًّا وتعبُّديًّا، وهذه الرعاية من إيمان، وتعليم القراءة والكتابة، والصلاة والصيام، وأعمال البرِّ وآداب السُّنَّة، إنما هي أسباب الحياة الحقيقية، حياة القلب والرُّوح والسعادة الأبديَّة، وأخيرًا رعايته سلوكيًّا وإجتماعيًّا، وذلك بتعويده على الفضائل ومكارم الأخلاق، وحُسن إختيار صحبته، والدعاء له وتَجَنُّب الدعاء عليه، وكذلك إحترامه وتشجيعه على الصراحة بالحقِّ.
10) التربية الإسلامية أهم الحقوق:
وهذه الحقوق تكفل للطفل أن ينشأ في أسرة تُطَبِّق تعاليم الله، فتترسَّخ مبادئ الإسلام في قلبه، فينشأ محبًّا للإسلام مطبِّقًا لتعاليمه.
على أنه بقي واجبٌ وحقٌّ مهمٌّ بعد هذه الحقوق، ويتمثَّل في التربية الإسلامية، فهي الأمل المنشود في تكوين جيل من المصلحين الذين يحملون هذا الدين إلى عامَّة الناس، وبالتربية يخرج العلماء والقادة، وبالتربية الصحيحة تتقدَّم الأمم.
ولقد أولى الإسلام عناية خاصَّة بتربية الأطفال، والتي فطن إليها أعداؤنا فأعدُّوا العُدَّة ليُجْهِزوا على أطفالنا، فقد باتت المعركة الآن على الأطفال فهم المقصد والغاية، ولقد جنَّد أعداؤنا كثيرًا من الوسائل لهذه المعركة، ليُهدِرُوا القيم والأخلاق.
والتربية -بدءًا- مأخوذة من كلمة الربِّ، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا، وفي الاصطلاح تعني: إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدِّ التمام، ومن معاني التربية تنمية قوى الإنسان الدينية والفكرية والخلقية تنمية متَّسِقَة متوازنة.
والتربية فريضة على الآباء، وعلى هذا فالتربية هي عملية بناء وإصلاح ورعاية حتى التمام، ولكي نضمن إخراج طفل سويٍّ لابد من تربيته وتنشئته على الإسلام، فالنظرة التربوية الإسلامية تهتم بكل مجالات الحياة الصحيَّة والنفسيَّة والأخلاقيَّة والإجتماعيَّة وما إلى ذلك.
والتربية فريضة في حقِّ الآباء، وهي مسئولية وأمانة لا يجوز التخلِّي عنها، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب:72].
وهي تقوم على عدَّة عناصر هي: المربِّي والمربَّى والمنهج، وحتى تؤتي التربية ثمارها لابد من توافر صفات في القائم بعملية التربية، وإلا لن يرى أثرًا لجهده وعمله، فغالبًا ينشأ الولد على غرار أبيه، يقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحج ولكن *** يعـوده التدين أقربوه
فلا بُدَّ أن يشعر كِلا الأبوين أنهما مسئولان عن أطفالهما، وهما محاسبان على التقصير في تربيتهما، وعن هذه المسئولية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» البخاري.
وقد أمرنا الله أن نحمي أنفسنا وأبنائنا من النار يوم القيامة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:6].
وصفات المربي هي عامل أساسي في عملية التربية لإحداث التأثُّر، فالكلام الذي لا يتبعه عمل كالرُّوح بلا جسد، ولا بُدَّ لهذه الصفات من توافرها في الأبوين وكذلك القائمِينَ بأعمال التربية، ومن هذه الصفات:
أ= الحلم والأناة والبُعد عن الغضب:
ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة، ولقد خدم سيدنا أنس بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعله لِمَ فعلته، ولا لشيء تركه لِمَ تركته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حليمًا في تعليم الأطفال، وروى عمرو بن سلمة قال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ، البخاري.
ولا بُدَّ للقائم على عمليَّة التربية البعد عن الغضب لما له من آثار سلبيَّة على نفسيَّة الطفل، وهذه من وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل أن يوصه، فقال له: «لا تَغْضَبْ» وكرَّر عليه ذلك مرارًا.
ب= الرفق واللين:
وهاتان الصفتان أساسيَّتان في عملية التربية، فالطفل الصغير يحتاج إلى الرفق أكثر من الشدَّة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» مسلم.
ج= الرحمة:
وهي من أهمِّ الأسس التي تقوم عليها عملية التربية، فالرحمة من أسس النشأة القويمة والنموِّ النفسي والإجتماعي لدى الأطفال، وبإفتقادهم لهذه الصفة تحدث فجوة كبيرة بين الأطفال والمجتمع الذي فيه يعيشون، ولن يكون لهم طريق إلا الانحراف والعنف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً في ذلك فكان رحيمًا بالأطفال، وإنتقد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي قال له إن لي عشرة من الأبناء ما قبَّلْتُ واحدًا منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَا أملك وَقَدْ نَزَعَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ» صحيح ابن حبان.
د= الاعتدال والوسطية:
من صفات المربِّي الناجح الإعتدال والوسطية، فالغلوُّ والتشديد ليس له مكان في ديننا، وغالبًا ما ينفر الأولاد من طابع المربِّي الذي يجنح إلى الشدَّة والغلظة.
هـ= القصد في الكلام:
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي لا يَمَلُّ من كلامه أحد- يتخوَّل أصحابه بالموعظة مخافة الملل، وليس المقصود من عملية التربية الكلام إنما الهدف هو الفعل.
و= القدوة الحسنة:
والقدوة الحسنة لها دور كبير في تنشئة الأولاد، فغالبًا ما يجنح الأولاد إلى التقليد، فالقدوة هنا لها دور كبير في عملية التنشئة، وقد امتدح الله عز وجل الأبوين الصالحَيْنِ وحَفَظَ المال لأبنائهما بصلاحهما فقال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82].
وهذا طرف من صفات المربِّي الناجح لتُؤْتِيَ عمليَّة التربية ثمارها، ولا نكون كالذي يحرث في الماء، ولكي تحقق عملية التربية أهدافها ونرى نتاجها لابد من معرفة منهج الإسلام في التربية، وما هي جوانب التربية؟
الإسلام وشمول جوانب التربية:
والحقيقة أن للتربية جوانب عديدة، والإسلام لم يقتصر فيها على جوانب العبادة والأخلاق، بل إمتدَّ ليشمل الجانب العقلي والإجتماعي والبدني، فهدف الإسلام أن يخرج طفلاً سويًّا ينمو عقله مع جسده، وتنمو كذلك أخلاقه مع عَلاقاته الاجتماعيَّة، ومن هذه التربية ما يلي:
۱- التربية الإيمانية العبادية:
وتكون هذه التربية بتوجيه عواطف الطفل ومشاعره نحو حُبِّ الله وحُبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نزرع في قلوبهم الخوف من الله، لأن الحُبَّ يؤدِّي إلى طاعة الله، والخوف يؤدِّي إلى البُعْدِ عن المعاصي والذنوب، ونحدَّثه عن الجنة والنار، فغالبًا ما يستهوي الأولاد هذه الحكايات، ونخبرهم أن محبَّتنا لله تنشأ من إحتياجنا إليه نحن وآبائنا، فكل شيء بيده سبحانه وتعالى، وهذا ما يدفعنا أيضًا نحو شكره على نعمه.
ويعمل المربِّي على غرس الإيمان الحقيقي في نفوس الأطفال الذي هو سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونأخذ بيد الطفل إلى العبادة بالتدريج، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نُعَوِّدَ الطفل على الصلاة وهو في السابعة من عمره، ونضربه على التخلُّف عنها في العاشرة، ونُعَوِّدُهُ على الصدقة بأن نُعطي له الصدقة ليضعها مثلاً في صندوق المسجد المخصَّص للصدقات والزكاة، وكذلك الصوم وكان الصحابة رضوان الله عليه يُعَلِّمون أبناءهم الصوم ويعطونهم ما يلعبون به لينسوا الطعام وذلك ليتدرَّبوا على الصيام، وبذلك تسير الخطى نحو غرس هذه العبادات في نفوس الأطفال.
۲- التربية البدنيَّة:
المقصود بالتربية البدنيَّة هي الإعتناء بالجسم، وذلك ليكون سليمًا، فبالإضافة إلى الإهتمام بالعضلات وبالحواس، يجب الإهتمام بالطاقة الحيوية المنبثقة من الجسم والمتمثِّلة في مشاعر النفس، وطاقة الدوافع الفطرية والنزعات والانفعالات، حيث يراعي الإسلام أمرين هامَّين:
*مراعاة الجسم من حيث هو جسم يحتاج إلى الغذاء الجيِّد والمسكن الصحِّيِّ، والراحة والنوم الجيِّد والحصانة من الأمراض.
*وتوفير الطاقة الحيويَّة اللازمة لتحقيق أهداف الحياة، وهي أهداف تشمل كيان الإنسان كله.
ولا بُدَّ من تعوديه على ممارسة الرياضة كالعدو، والسباحة، والرمي، وركوب الخيل، وغيرها، لما لها من أهميَّة في بناء جسد الفرد، وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحُد مَن كانت له قدرة على الرمي وهو ما زال فتى يانعًا، وكذلك أجاز مَن صرعه، وذلك يدلُّ على أهميَّة بناء البدن، وأوصى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعليم الأولاد السباحة والرماية وركوب الخيل، ولا يخفى على أحد ما في السباحة من تكوين وبناء لعضلات الإنسان.
۳- التربية الأخلاقية:
والمقصود بالتربية الأخلاقيَّة العمل على غرس قيم الخير في نفس الطفل، كالصدق والأمانة وبرِّ الوالدين والشجاعة، ومن أهمِّ جوانب التربية الأخلاقيَّة العمل على تخليته من الأخلاق البذيئة، كالكذب والجبن وما إلى ذلك.
٤- التربية العقلية:
أعطى الإسلام للعقل عناية خاصَّة، فالإسلام يُشَجِّع الطاقات العقليَّة ويحترمها، وألقى الإسلام على عاتق الأبوين تربية عقل الطفل، فليس المقصود من التربية كما يفهم الكثيرون الطعام والكساء، بل لابد من غذاء عقلي للطفل لينمو عقله ويستطيع أن يساير الحياة، وحتى ننهض بالعقل لابد من إغترافه من مَعِين الثقافة والعلم، والتركيز على القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالإضافة إلى هذه العلوم لابد من الإطلاع على الكتب العامَّة والمعارف الأخرى، وعلى الأبوين كذلك إختيار الأصدقاء المتميِّزين بثقافتهم الإسلاميَّة.
٥- التربية الإجتماعية:
ويقصد بالتربية الإجتماعيَّة تربية الطفل على آداب إجتماعية فاضلة، وهي المنبثقة من العقيدة الإسلاميَّة، كالنظام وحسن التعامل والتصرُّف الحكيم، وتقوم التربية الإجتماعيَّة أيضًا على التربية الإيمانيَّة والأخلاقيَّة والعقليَّة، وذلك ليستطيع التفاعل في المجتمع والتأثير فيه، وتقع هذه المسئوليَّة أوَّلاً على الأسرة.
وبإكتمال هذه الجوانب يصبح لدينا طفل قوي العبادة، صحيح العقيدة، متين الخلق، مثقَّف الفكر، يستطيع أن يخدم دينه وأُمَّتَه، وأن يكون لَبِنَة صالحة في المجتمع.
طرق تربية الأطفال:
1= التربية بالملاحظة:
وهي ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقدي والأخلاقي، ويدخل فيه التكوين النفسي والإجتماعي، وهذه التربية جسَّدها النبي صلى الله عليه وسلم في ملاحظته لأفراد المجتمع، ويعقبها الترشيد والتوجيه.
ويجب الحذر من أن تتحوَّل الملاحظة إلى تجسُّس، فمن الخطأ أن نفتِّش غرفة الولد المميَّز ونحاسبه على هفوة نجدها، لأنه لن يثق بعد ذلك بالمربِّي، وسيشعر أنه شخص غير موثوق به، وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه، ولم يكن هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأبنائه وأصحابه.
كما ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان، لأن الطفل -وبخاصَّة المميَّز والمراهق- يحبُّ أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيبًا على نفسه، ومسئولاً عن تصرُّفاته، بعيدًا عن رقابة المربِّي، فَتُتَاحُ له تلك الفرصة بإعتدال.
وعند التربية بالملاحظة يجد المربِّي الأخطاء والتقصير، وعندها لابد من المداراة التي تحقِّق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل، والمداراة هي الرفق في التعليم وفي الأمر والنهي، بل إن التجاهل أحيانًا يُعَدُّ الأسلوب الأمثل في مواجهة تصرُّفات الطفل التي يستفزُّ بها المربي، وبخاصَّة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصف والسنة الثالثة، حيث يميل الطفل إلى جذب الإنتباه وإستفزاز الوالدَيْنِ والإخوة، فلا بُدَّ عندها من التجاهل، لأن إثارة الضجة قد تؤدِّي إلى تشبُّثه بذلك الخطأ، كما أنه لابد من التسامح أحيانًا، لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربويَّة والنفسيَّة.
2= التربية بالإشارة:
والتربية بالإشارة تُستخدَم في بعض المواقف كأنْ يُخطئ الطفل في وجود ضيوف أو في محفل فتكفيه إشارة باليد، أو نظرة غضب، وذلك لأن إيقاع العقوبة قد يجعل الطفل معاندًا، لأن الناس ينظرون إليه، وتُستخدم الإشارة خاصَّة مع الأطفال ذوي الحسِّ المرهف.
ويدخل ضمنه التعريض بالكلام، فيقال: إن طفلاً صنع كذا وكذا، وعمله عمل ذميم، ولو كرَّر ذلك لعاقبته، وهذا الأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويؤدِّب بقيَّة أهل البيت ممن يفعل الفعل نفسه دون علم المربِّي.
3= التربية بالموعظة وهدي السلف:
وتعتمد الموعظة على جانبين، الأول: بيان الحقِّ وتعرية المنكر، والثاني: إثارة الوجدان، فيتأثر الطفل بتصحيح الخطأ وبيان الحق وتقلُّ أخطاؤه، وأما إثارة الوجدان فتعمل عملها لأن النفس فيها استعداد للتأثُّر بما يُلقى إليها، والموعظة تدفع الطفل إلى العمل المرغب فيه.
ومن أنواع الموعظة:
أ) الموعظة بالقصة، وكلما كان القاصُّ ذا أسلوب متميِّز جذاب استطاع شد إنتباه الطفل والتأثير فيه، وهو أكثر الأساليب نجاحًا.
ب) الموعظة بالحوار، وهي تشدُّ الإنتباه وتدفع الملل إذا كان العرض حيويًّا، وتُتِيح للمربِّي أن يَعرف الشبهات التي تقع في نفس الطفل فيعالجها بالحكمة.
ج) الموعظة بضرب المثلا الذي يُقَرِّب المعنى ويُعين على الفَهم.
د) الموعظة بالحَدَثِ، فكلما حدث شيء معيَّن وجب على المربِّي أن يستغلَّه تربويًّا، كالتعليق على مشاهد الدمار الناتج عن الحروب والمجاعات ليُذَكِّر الطفل بنعم الله، فيؤثِّر هذا في النفس، لأنه في لحظة إنفعال ورِقَّة فيكون لهذا التوجيه أثره البعيد.
وللمربِّي في ذلك مخاطبة الطفل على قدر عقله، والتلطُّف في مخاطبته ليكون أدعى للقَبول والرسوخ في نفسه، كما أنه يُحسن إختيار الوقت المناسب فيراعي حالة الطفل النفسيَّة ووقت إنشراح صدره وإنفراده عن الناس، وله أن يستغل وقت مرض الطفل، لأنه في تلك الحال يجمع بين رقَّة القلب وصفاء الفطرة، وأما وعظه وقت لعبه أو أمام الأباعد فلا يُحقِّق الفائدة.
ويجب أن يَحْذَر المربي من كثرة الوعظ، فيتخوَّله بالموعظة، ويراعي الطفل حتى لا يملَّ، ولأن تأثير الموعظة مؤقَّت فيحسن تَكرارها مع تباعد الأوقات.
4= التربية بالعادة:
لَفَتَ النبي صلى الله عليه وسلم نظر الآباء إلى هذا النوع من التربية في حديثه صلى الله عليه وسلم الذي رواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: «مُروا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ» الطبراني ، فالثلاث سنوات كافية ليتعوَّد فيها الإنسان على الصلاة، وكذلك جميع العبادات والأخلاق، فتصبح عادة راسخة في النفس.
وقد تأكد ذلك في إرشاد ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: «وعوِّدوهم الخير، فإن الخير عادة» الطبراني. وبهذا تكون التربية بالعادة ليست خاصَّة بالشعائر التعبُّديَّة وحدها، بل تشمل الآداب وأنماط السلوك.
هذا ولكي نعوِّد الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتمَّ تَكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربويَّة.
وترجع أهميَّة التربية بالعادة إلى أن حُسن الخلق بمعناه الواسع يتحقَّق من وجهين: الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعوُّد والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولاً على الدين والخُلُق الفاضل كان تعويده عليه يرسِّخه ويَزيده، ولكي نعوِّد الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربويَّة.
5= التربية بالترغيب والترهيب:
والترهيب والترغيب من العوامل الأساسيَّة لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الإجتماعيَّة، ويمثِّل الترغيب دورًا مهمًّا وضروريًّا في المرحلة الأولى من حياة الطفل، لأن الأعمال التي يقوم بها لأوَّل مرَّة شاقَّة تحتاج إلى حافز يدفعه إلى القيام بها حتى تصبح سهلة، كما أن الترغيب يُعَلِّمه عادات وسلوكيَّات تستمرُّ معه ويصعب عليه تركها.
والترغيب نوعان: معنوي ومادي، ولكلٍّ درجاته فإبتسامة الرضا والقبول، والتقبيل والضم، والثناء، وكافَّة الأعمال التي تُبهج الطفل هي ترغيبٌ في العمل، ويرى بعض التربويِّين أن تقديم الإثابة المعنويَّة على الماديَّة أولى، حتى نرتقي بالطفل عن حُبِّ المادة، وبعضهم يرى أن تكون الإثابة من جنس العمل، فإن كان العمل ماديًّا نكافئه ماديًّا، والعكس.
وســائل التربية:
وإن وسائل التربية تتعدَّد وتشمل جميع المؤثِّرات في سلوك الطفل، ونعرض هنا أهمها كما يلي:
1= التربية بالقدوة:
فالطفل يُحِسُّ بالحاجة إلى الانضواء تحت راية كائن مرموق، فيتجه إلى الإقتداء بالوالدين أو الإخوة أو المعلمين أو الأصدقاء، ثم يتحوَّل الاقتداء إلى عمليَّة فكريَّة يمتزج فيها الوعي والإنتماء بالمحاكاة والإعتزاز، ويظلُّ محتاجًا إلى القدوة في كل مراحل حياته، والإقتداء من أعظم عوامل الإصلاح، إضافة إلى أنه يُشبع الحاجة الغريزية المذكورة آنفًا، لأن الطفل لديه قدرة عجيبة على المحاكاة بوعي أو بغير وعي، وهو يعتقد أن كل ما يفعله الكبار صحيح من آباء وأمهات وأجداد وجدات وإخوة كبار، إذ هم أكمل الناس عنده.
ويوصي علماء التربية بالإهتمام بتربية الولد البكر ذكرًا كان أم أنثى، لأن إخوته يقلِّدونه ويتأثَّرون به، وعلى الوالدين أن يحقِّقا إسلامهما في كل صغيرة وكبيرة، ليتربى ولدهما تربية إسلاميَّة، وإذا كان أحدهما مبتلى بمعصية أو بِدْعَةٍ فعليه أن يستخفي بها عن أولاده، كالتدخين وشرب المسكر وترك الصلاة وغيرها.
وكلما كبر الطفل تعدَّد الأشخاص الذين ينالون إعجابه ويقتدي بهم، كالرفقة والمعلِّم والجار، وقد تكون بيئة الطفل واسعةً، فيها الجدُّ والجدَّة واللذين يؤثِّران في سلوك الطفل لعَلاقتهما الحميمة به، كما أن وجود الخدم والمربيات واهتمامهم بالطفل يجعله مقتديًا بهم، يقتبس من سلوكهم حسب محبَّته لهم وإختلاطه بهم.
ولا بُدَّ أن يربط المربِّي ولده بالقدوة الأوَّل صلى الله عليه وسلم وصحبه، فيُعلِّمه السِّيَرَ والمغازي، وما تتضمَّنه من قَصَص نبوي، ويُعَلِّمه السُّنن والأخلاق، وإذا أرشده إلى خُلُقٍ ذَكَّرَه بأنه خُلُقٌ نبوي، ليرتبط به وجدانيًّا وسلوكيًّا.
ومن الخطأ أن يُعجب الوالدان بتقليد ولدهما للاعب أو ممثِّل أو مغنٍ، ولو كان ذلك التقليد طريفًا، لأن هذا يغرس محبَّة القدوةِ السيِّئة في نفس الطفل دون شعور الوالدين، ومن الخطأ كذلك شراء الملابس أو الأدوات التي تحمل صور المنحرفين أو أسمائهم أو ألبستهم الخاصَّة، لأن هذا يُورِث الإقتداء بهم.
2= التربية بالجليس الصالح:
والجليس بصفة عامَّة يحقِّق حاجة إجتماعيَّة ونفسيَّة، فالطفل يميل إلى رفقة يلعب كل منهم منفردًا في منتصف السنة الرابعة، وبعدها يميل كل منهم إلى اللعب الجماعي، وكلما كبر الطفل إحتاج إلى وقت أطول يقضيه مع رفقته ليبدأ إستقلاله عن والديه، وأما في المراهقة فالرفقة من أهمِّ الحاجات النفسيَّة والإجتماعيَّة التي لا يستغني عنها المراهق.
وأهمُّ الشروط أن تكون مجموعة الرفاق مناسبة لسن الطفل العقلي والجسدي، لأن الطفل إذا كان أصغر منهم يتحوَّل إلى تابعِ مقلِّد وإذا كان أكبر أحس بالمسئوليَّة عنهم وعن حمايتهم، وليس معنى هذا ألاَّ يلعب إلا مع رفقة في سنِّه، ولكن لا يُقحم دائمًا في مجموعات أصغر أو أكبر منه، ومن شروط الرفقة أن تكون صالحة فيعمل المربي على تحبيب ولده في الأخيار، ويختار السكن حول جيران مستقيمين، ويربط ولده بحلق التحفيظ والمراكز الصيفيَّة والمكتبات، ويوثق عَلاقته بالصالحين من أقاربه وأصدقائه، والسماح لهما بتبادل الزيارات والرسائل والمكالمات الهاتفيَّة، وأما إن كان سيِّئًا فعلى المربِّي أن يُبَيِّنَ سوء سلوكه، ويُتيح لولده فرصة عقد صداقات جديدة دون أن يشعر، حتى يتخلَّص من صديق السوء، أو يَقِلَّ تأثيره على الأقلِّ، ويخطئ بعض المربِّين حين يمنع ولده من أية صداقة، حتى إذا كَبِر عقد صداقات سيِّئة، كان يمكن للمربِّي أن ينأى بولده عنها لو أتاح له فرصة عقدة صداقات صالحة في سنٍّ مبكِّرة.
3= الإفادة من العلم الحديث ومخترعاته:
أصبحت مخترعات العلم الحديث تُشارِك في تربية الصغار والكبار، ويكمن خطرها في أنها تَنْقُل للبيوت عادات وتقاليد وعقائد مخالفة للإسلام وعادات المجتمع المسلم، وتؤثِّر في الصغار، لأنهم يجلسون أمامها مدَّة طويلة وهم في حالة نفسيَّة مناسبة لتلقِّي ما يُعْرَض عليهم، ومن أهمِّ هذه المخترعات التلفاز والحاسوب.
4= الإفادة من الدوافع الفطرية:
فالدوافع الفطريَّة تسهم في تربية الطفل إذا أحسن المربِّي إستخدامها، وراعى فيها التوازن والاعتدال ومنها:
الاستهواء: ويشترط أن يكون لصالح الطفل، فلا يوحي إليه المربِّي بما يجعله جبانًا، كالوحوش والأشباح وغيرها، مع الاعتدال، لأن كثرة الإيحاء للطفل تجعله تابعًا لغيره منقادًا، ويقضي على استقلاليَّته، ولكي ينجح المربِّي في الإيحاء لابد من الصدق، وأن يكون متَّصِفًا بما يدعو إليه، كالشجاعة أو الصبر، وأن يكون ماهرًا في عرض الفكرة وأن تكون رنة الصوت مؤثِّرة، وعلى المربِّي أن يحذر من وقوع طفله تحت مِظَلَّة الفسق عن طريق إعجابه بالمغنِّين والممثِّلين، ولذا عليه أن ينفره منهم، ويزرع في نفسه كراهيتهم.
اللعب: ومنه يتعلَّم القدرة على التفكير والمهارات المختلفة، أما اللعب الجماعي فيشكِّل مدرسة يتعلَّم منها فنَّ القيادة، والطاعة، والإلتزام، والمعايير السلوكيَّة، كما يتدرَّب على أداء دوره المستقبلي، فالفتى يمثِّل الأب، أو المدرس، أو الطبيب، أو غيرهم، والفتاة تمثِّل دور الأم أو أية مهنة تناسبها، ولكن يجب التوازن في اللعب الجماعي والفردي حتى يبعد الطفل عن الانطواء، ويتعلَّم أسلوب التعامل مع الآخرين واحتمال الأذى.
التقليد: ويُعَدُّ من وسائل تكوين العادات والآداب الإجتماعية، وذلك بوجود القدوة التي يقلِّدها الطفل، ويَسْهُل تعليم الطفل الآداب الإجتماعيَّة إذا كان المربِّي نفسه متحلِّيًا بهذه الآداب بشكل دائم، وإذا عوّد الطفل على الجرأة، ويبدأ التقليد عند الطفل في آخر السنة الأولى، ويكون تقليدًا غير واع، ثم يصبح إقتداء يمتزج فيه الوعي بالإنتماء والمحاكاة والإعتزاز، ويمكن أن يكون علاجًا للخوف إذا وجد المربِّي الشجاع، واختلط بأقران لا يخافون، ويُستفاد من التقليد في تناول الدواء والطعام وفي علاج الكسل وكثير من السلبيَّات.
التنافس البناء: يحرِّك في الطفل مشاعر وطاقات لا تَظهر إلا بالتنافس، ويستطيع المربِّي أن يُحَوِّل المنافسة إلى وسيلة تربويَّة، إذا راعى فيها أن يكون الأطفال المتنافسون بينهم فروق يسيرة، وأن يُعَوِّدهم على إحترام بعضهم وتهنئة الفائزين منهم، وليحذر من المقارنة التي تحطُّ من قدر الطفل، أو أن يستخدمها كعقاب فيزرع المرارة في نفسه، وعند إستخدام المقارنة يجب أن تكون لتذكير الطفل مَن هو أفضل منه، وفي نفس الوقت تزرع الثقة بأن نقارنه بمن هو أدنى منه، وكل ذلك بإعتدال واتِّزان.
التعاون: يميل الطفل إلى اللعب الجماعي في عامه الرابع، فيَحْسُن بالوالدين إستغلال هذا الميل الفطري، وذلك في عدَّة أمور كالأكل الجماعي والتعاون على حمل الأغراض أو الترتيب، ويتعلم من خلال العمل الجماعي قيمًا عُليا، كالرحمة بالصغير، وتكليفه بما يناسبه من العمل، والجدِّ والمسابقة للعمل، والإيثار والمحبَّة، والتعاون له آثاره المشاهَدة، كسرعة إنجاز العمل وسهولته، ومن ذلك حمل الأواني وترتيب الألعاب والغُرَفِ ومساعدة الوالدين.
5= التربية بالعقوبة:
يقول الأستاذ محمد قطب: التربية بالعقوبة أمر طبيعي بالنسبة للبشر عامَّة والطفل خاصَّة، فلا ينبغي أن نستنكر من باب التظاهر بالعطف على الطفل ولا من باب التظاهر بالعلم، فالتجرِبة العلميَّة ذاتها تقول: إن الأجيال التي نشأت في ظلِّ تحريم العقوبة ونبذ إستخدامها أجيالٌ مائعة لا تصلح لجديَّات الحياة ومهامِّها، والتجرِبة أَوْلَى بالاتِّبَاع من النظريَّات اللامعة.
والعطف الحقيقي على الطفولة هو الذي يرعى صالحها في مستقبلها، لا الذي يدمِّر كيانها ويفسد مستقبلها، ولا بُدَّ من معرفة الفرق بين التأديب والعقوبة بالنسبة للطفل، فهو من أهل التأديب وليس من أهل العقوبة، وإن إحتجنا إلى العقوبة فعلينا أن نراعي إحترامنا لكيان الصغير ولكونه إنسان، ولا بُدَّ قبل العقوبة من توجيه النصح والإرشاد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجِّه الفتيان، فقد مرَّ على غلام يسلخ شاة ولا يحسن، فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ» أبو داود، فليكن شعارك مع ابنك تنحَّ حتى أريك.
ولا يلجأ المربِّي إلى الضرب مباشرة بل تسبقه عقوبات، كالنظرة الحادَّة، وشدِّ الأذن، والإهمال شرط ألا يطول، والمعاقبة المادِّيَّة، وإذا إحتاج الأمر إلى الضرب فلا بُدَّ من مراعاة بعض الأمور:
= أن يكون قد بلغ الطفل العاشرة من عمره، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الطفل الذي بلغ العاشرة ولا يصلي.
= أن يكون الضرب مفرَّقًا على الجسد، وأن يكون بين كل سوطين وقت لذهاب الألم.
= أن يتجنب الأماكن الحساسة.
= ألا يزيد على عشرة أسواط، فقد روى أبو بردة رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» البخاري.
ويمتنع المربِّي عن ضرب الطفل إذا ما ذكر الله، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ» الترمذي، وفي ذلك تعظيم لشأن الله في نفس الطفل.
ولا بُدَّ أن يَعْلَم المربِّي أن هذه العقوبة ليست إلاَّ للتقويم والتربية، ويبتعد عن العقوبة وهو غضبان لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» الترمذي.
وأخيرًا ندرك حقَّ الطفل في الشريعة الإسلاميَّة، وكيف أنها حقوق محفوظة ومصونة، والذي من أجله أن ينشأ الطفل على تربية صحيحة وسليمة، وبذلك نستطيع بناء أُمَّة قويَّة.
المصدر: موقع قصة الإسلام.